كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{هذا} أي: الوحي المنزل وهو القرآن أي: معالم {للناس} أي: في الحدود والأحكام فيبصروا بها ما ينفعهم وما يضرهم {وهدى} أي: قائد إلى كل خير مانع من كل زيغ {ورحمة} أي: كرامة وفوز ونعمة {لقوم يوقنون} أي: ناس فيهم قوة القيام بالوصو ل إلى العلم الثابت وتجديد الترقي في درجاته إلى ما لا نهاية له وقوله تعالى: {أم حسب} منقطعة فتقدر ببل والهمزة أوببل وحدها أوبالهمزة وحدها ومعنى الهمزة فيها: إنكار الحسبان {الذين اجترحوا} أي: اكتسبوا ومنه الجوارح وفلأن جارحة أهله أي: كاسبهم وقال تعالى: {ويعلم ما جرحتم بالنهار} (الأنعام).
{السيئات} أي: الكفر والمعاصي {أن نجعلهم} أي: بما لنا من العظمة المانعة من الظلم المقتضية للحكمة {كالذين آمنوا وعملوا} تصديقًا لإقرأرهم {الصالحات} أي: بأن نتركهم بغير حساب للفصل بين المحسن والمسيء.
ولما كانت المماثلة مجملة بينها استئنافًا بقوله تعالى: {سواء} أي: مستواستواء عظيمًا {محياهم ومماتهم} أي: حياتهم وموتهم وزمان ذلك ومكانه في الارتفاع والسفو ل واللذة والكدر وغير ذلك من الأعيان والمعاني. وقرأ حمزة والكسائي وحفص سواء بالنصب على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور وهما كالذين آمنوا. ويكون المفعول الثاني للجعل كالذين آمنوا أي: أحسبوا أن نجعلهم مثلهم في حال استواء محياهم ومماتهم ليس الأمر كذلك. وقرأه الباقون بالرفع على أنه خبر ومحياهم ومماتهم مبتدأ ومعطوف والجملة بدل من الكاف والضميران للكفار. والمعنى: أحسبوا أن نجعلهم في الآخرة في خير كالمؤمنين أي: في رغد من العيش مساو لعيشهم في الدنيا حيث قالوا للمؤمنين: لئن بعثنا لنعطي من الخير مثل ما تعطون. قال تعالى على وفق إنكاره بالهمزة {ساء ما يحكمون} أي: ليس الأمر كذلك فهم في الآخرة في العذاب على خلاف عيشهم في الدنيا والمؤمنون في الآخرة في الثواب بأعمالهم الصالحات في الدنيا من الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك. وما مصدرية أي: بئس حكمًا حكمهم هذا.
ولما بين تعالى أن المؤمن لا يساويه الكافر في درجات السعادة أتبعه بالدلائل الظاهرة على صحة ذلك فقال تعالى: {وخلق الله} أي: الذي له جميع أوصاف الكمال {السموات والأرض} وقوله تعالى: {بالحق} متعلق بخلق وقوله تعالى: {ولتجزى} أي: بأيسر أمر {كل نفس} أي: منكم ومن غيركم معطوف على بالحق في المعنى لأن كلًا منهما سبب فعطف العلة على مثلها أوأنه معطوف على معلل محذوف والتقدير: خلق هذا العالم إظهارًا للعدل والرحمة. وذلك لا يتم إلا إذا حصل البعث والقيامة وحصل التفاوت بين الدرجات والدركات من المحقين والمبطلين {بما} أي: بسبب ما {كسبت} من خير أوشر {وهم} أي: والحال أنهم {لا يظلمون} أي: لا يوجد من موجد ما في وقت من الأوقات جزاء لهم في غير موضعه هذا على ما جرت به عوائدكم في العدل والفضل. ولو وجد منه سبحانه وتعالى غير ذلك لم يكن ظلمًا منه لأنه المالك المطلق والملك الأعظم. فلوعذب أهل سماواته وأهل أرضه كلهم لكان غير ظالم في نفس الأمر. فهذا الخطاب إنما هو على ما يتعارفونه من إقامة الحجة بمخالفة الأمر ثم عاد سبحانه وتعالى إلى شرح أحوال الكفار وقبائح طرائقهم فقال: {أفرأيت} أي: أعلمت علمًا هو في تيقنه كالمحسوس بحاسة البصر التي هي أثبت الحواس {من اتخذ} أي: بغاية جهده {إلهه هواه} أي: ما يهواه من حجر بعد حجر يراه أحسن. روي عن أبي رجاء العطاردي وهو ثقة أدرك الجاهلية ومات سنة خمس ومائة عن مائة وعشرين سنة قال: كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرًا أحسن منه ألقيناه وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجرًا جمعنا حثوة من تراب فحلبنا عليها ثم طفنا بها. قال الأصفهاني: سئل ابن المقفع عن الهوى فقال: هو ان سرقت نونه فنظمه من قال:
نون الهوان من الهوى مسروقة ** فأسير كل هو ى أسير هو ان

وقال آخر أيضًا:
إن الهوى لهوالهوان بعينه ** فإذا هو يت فقد لقيت هو انا

{وأضله الله} أي: بما له من الإحاطة {على علم} منه تعالى أي: عالمًا بأنه من أهل الضلالة قبل خلقه {وختم} زيادة على الإضلال الخاص {على سمعه} فلا فهم له في الآيات المسموعة {وقلبه} أي: فهو لا يعي ما في حقه وعيه {وجعل على بصره غشاوة} أي: ظلمة فلا يبصر الهوى ويقدر هنا المفعول الثاني لرأيت أي: أيهتدي. وقرأ حمزة والكسائي بفتح الغين وسكون الشين. والباقون بكسر الغين وفتح الشين وألف بعد الشين وإذا صار بهذه المثابة {فمن يهديه} وأشار تعالى إلى قدرته عليه بقوله سبحانه وتعالى: {من بعد الله} أي: إن أراد الله إضلاله الذي له الإحاطة بكل شيء أي: لا يهتدي {أفلا تذكرون} أي: ألم يكن لكم نوع تذكر فتتعظوا وفيه إدغام إحدى التاءين في الذال.
{وقالوا} أي: في إنكارهم البعث مع اعترافهم بأنه تعالى قادر على كل شيء {ما هي} أي: الحياة {إلا حياتنا} أي: أيها الناس {الدنيا} أي: هذه التي نحن فيها {نموت ونحيا}. فإن قيل: الحياة متقدمة على الموت في الدنيا فمنكروا القيامة كان يجب أن يقولوا: نحيا ونموت فما السبب في تقديم ذكر الموت على الحياة؟
أجيب: من وجوه أولها: أن المراد بقولهم نموت أي: حال كونهم نطفًا في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات وبقولهم ونحيا ما حصل بعد ذلك في الدنيا. ثانيها: نموت نحن ونحيا بسبب بقاء أولادنا. ثالثها: قال الزجاج: الواو للاجتماع والمعنى: يموت بعض ونحيا بعض. رابعها: قال الرازي: إنه تعالى قدم ذكر الحياة فقال: {إن هي إلا حياتنا الدنيا} ثم قال بعده {نموت ونحيا} يعني أن تلك الحياة منها ما يطرأ عليها الموت وذلك في حق الذين ماتوا ومنها ما لا يطرأ عليه الموت بعد ذلك وهو في حق الأحياء الذين لم يموتوا بعد. وقال البيضاوي: يحتمل أنهم أرادوا به التناسخ أي: وهو أن روح الشخص إذا خرجت تنتقل إلى شخص آخر فيحيا بعد أن لم يكن فإنه عقيدة أكثر عبدة الأصنام {وما يهلكنا} أي: بعد الحياة {إلا الدهر} أي: مر الزمان الطويل بغلبته علينا وطو ل العمر واختلاف الليل والنهار من دهره إذا غلبه {وما} أي: قالوه والحال أنه ما {لهم بذلك} أي: المقول البعيد من الصواب وهو أنه لا حياة بعد هذه وأن الأهلاك منسوب إلى الدهر على أنه مؤثر بنفسه وأغرق في النفي فقال تعالى: {من علم} أي: كثير ولا قليل {إن} أي: ما {هم إلا يظنون} أي: بقرينة أن الإنسان كلما تقدم في السن ضعف وأنه لم يرجع أحد من الموتى هذا ظنهم الفاسد.
روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أرسل الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما». وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يسب أحدكم الدهر فإن الدهر هو الله تعالى ولا يقولن للعنب الكرم فإن الكرم هو الرجل المسلم». ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبُّه عند النوازل لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر كما أخبر الله تعالى عنهم فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها. فكان يرجع سبهم إلى الله تعالى إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر فنهوا عن سبه.
{وإذا تتلى} أي: تتابع بالقراءة من أي تال كان {عليهم آياتنا} أي: على ما لها من العظمة في نفسها وبالإضافة إلينا حال كونها {بينات} أي: في غاية المكنة في الدلالة على البعث فلا عذر لهم في ردها {ما كان} أي: بوجه من وجوه الكون {حجتهم} أي: قولهم الذي ساقوه مساق الحجة {إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا} أي: أحياء {إن كنتم صادقين} أي: في أنا نبعث فهو لا يستحق أن يسمى شبهة فسمي حجة بزعمهم أولأن من كانت حجته هذه فليست له ألبتة حجة كقوله:
تحية بينهم ضرب وجيع

ثم إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم بقوله تعالى: {قل الله} أي: المحيط علمًا وقدرة {يحييكم} أي: حين كنتم نطفًا {ثم يميتكم} أي: بأن يخرج أرواحكم من أجسادكم فتكونون كما كنتم قبل الإحياء كما تشاهدون {ثم يجمعكم} أي: بعد التمزق فيعيد فيكم أرواحكم كما كانت بعد طو ل مدة الرقاد منتهين {إلى يوم القيامة} أي: القيام الأعظم لكونه عامًا لجميع الخلائق {لا ريب} أي: لا شك بوجه من الوجوه {فيه} بل هو معلوم علمًا قطعيًا ضروريًا {ولكن أكثر الناس} أي: وهم القائلون ما ذكر {لا يعلمون} أي: لا يتجدد لهم علم لما لهم من النفوس والتردد والسفو ل عن أوج العقل إلى حضيض الجهل فهم واقفون مع المحسوسات لا يلوح لهم ذلك مع ما له من الظهور وقوله تعالى: {ولله} أي: الملك الأعظم وحده {ملك السموات} أي: كلها {والأرض} أي: التي ابتدأكم منها تعميم للقدرة بعد تخصيصها {ويوم تقوم الساعة} أي: توجد وتتحقق تحقق القائم الذي هو على كمال تمكنه وتمام أمره الناهض بأعباء ما يريد ثم كرر للتأكيد والتهويل قوله تعالى: {يومئذ} أي: يوم تقوم يخسرون هكذا كان الأصل ولكنه قال تعالى للتعميم والتعليق بالوصف {يخسر المبطلون} أي: الداخلون في الباطل الغريقون في الاتّصاف به الذين كانوا لا يرضون بقضائي.
تنبيه:
الحياة والعقل والصحة كأنها رأس مال والتصرف فيها بطلب السعادة الآخروية يجري مَجرى تصرف التاجر في ماله لطلب الربح. والكفار قد أتعبوا أنفسهم في تصرفاتهم بالكفر والأباطيل فلم يجدوا في ذلك اليوم إلا الحرمان والخذلان ودخو ل النار وذلك في الحقيقة نهاية الخسران.
{وترى} أي: في ذلك اليوم {كل أمة} أي: أهل دين {جاثية} أي: مجتمعة لا يخالطها غيرها وهي مع ذلك باركة على الركب رعبًا واستيفازًا لما لعلها تؤمر به جلسة المخاصم بين يدي الحاكم تنتظر القضاء الحاتم والأمر الجازم اللازم لشدة ما يظهر لها من هول ذلك اليوم {كل أمة} من الجاثين {تدعى إلى كتابها} أي: الذي أنزل عليها وتعبدها الله تعالى به والذي نسخته الحفظة عليهم السلام من أعمالها ليطبق أحدهما بالآخر فمن وافق كتابه ما أمر به من كتاب ربه نجا ومن خالفه هلك ويقال لهم حالة الدعاء {اليوم تجزون} أي: على وفق الحكمة بأيسر أمر {ما} أي: عين الذي {كنتم} بما هو لكم كالجبلات {تعملون} أي: مصرين عليه غير راجعين عنه من خير أوشر. فإن قيل: الجثوعلى الركب إنما يليق بالخائف. والمؤمنون لا خوف عليهم يوم القيامة؟
أجيب: بأن الجاثي الامن يشارك المبطل في مثل هذه الحالة إلى أن يظهر كونه محقًا.
{هذا كتابنا} أي: الذي أنزلناه على ألسنة رسلنا عليهم الصلاة والسلام {ينطق} أي: يشهد شهادة هي في بيانها كالنطق {عليكم بالحق} أي: الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع من أعمالكم وذلك بأن يقول: من عمل كذا فهو عاص. ومن عمل كذا فهو مطيع فينطبق ذلك على ما عملتموه سواء بسواء من غير زيادة ولا نقصان. وقيل: المراد بالكتاب اللوح المحفوظ.
ولما كانت العادة جارية في الدنيا بإقامة الحقوق بكتابة الوثائق وكانوا كأنهم يقولون ومن يحفظ أعمالنا على كثرتها مع طو ل المدة وبعد الزمان؟ قال تعالى مجيبًا بما يقرب إلى عقل من يسأل عن ذلك {إنا} أي: على ما لنا من العظمة المغنية عن الكتابة {كنا} على الدوام {نستنسخ ما كنتم} طبعًا لكم وخلقًا {تعملون} قولا وفعلًا ونية أي: نأمر الملائكة عليهم السلام بكتبها وإثباتها عليكم. وقيل: نستنسخ أي: نأخذ نسخه وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان فيثبت الله تعالى منه ما كان له من ثواب أو عقاب ويطرح منه اللغونحو قولهم هلم واذهب. والاستنساخ من اللوح المحفوظ. تنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم والاستنساخ لا يكون إلا من أصل كما ينسخ من كتاب كتاب. وقال الضحاك: نستنسخ أي: نثبت. وقال السدي: نكتب. وقال الحسن: نحفظ.
ثم بين تعالى أحوال المطيعين بقوله تعالى: {فأما الذين آمنوا} أي: من الأمم الجاثية {وعملوا} أي: تصديقًا لدعواهم الإيمان {الصالحات} أي: الطاعات فوصفهم بالعمل الصالح بعد وصفهم بالإيمان يدل على أن العمل الصالح مغاير للإيمان زائد عليه {فيدخلهم} أي: في ذلك اليوم {ربهم} أي: المحسن إليهم بالتوفيق بالإيمان {في رحمته} التي من جملتها الجنة والنظر إلى وجهه الكريم الذي هو الغاية القصوى وتقول لهم الملائكة تشريفًا: سلام أيها المؤمنون ودل على عظمة الرحمة بقوله تعالى: {ذلك} أي: الإحسان العالي المنزلة {هو} أي: لا غيره {الفوز المبين} أي: الظاهر الذي لا يخفى على أحد شيء من أمره لأنه لا يشوبه كدر أصلًا ولا نقص بخلاف ما كان من أسبابه في الدنيا فإنها مع كونها كانت فوزًا كانت خفية جدًّا على غير الموقنين. ثم بين تعالى أحوال الفريق الآخر بقوله تعالى: {وأما الذين كفروا} أي: ستروا ما أمر الله تعالى به {أفلم} أي: فيقال لهم ألم {تكن} تأتيكم رسلي فلم تكن {اياتي} على ما لها من عظمة إضافتها إلي وأعظمها القرآن {تتلى} أي: تواصل قرأءتها من أي تال كان فكيف إذا كانت بواسطة الرسل تلاوة مستعلية {عليكم} لا تقدرون على دفع شيء منها.
تنبيه:
حذف المقول المعطوف عليه كما تقرر اكتفاء بالمقصود واستغناء بالقرينة {فاستكبرتم} أي: فتسبب عن تلاوتها التي من شأنها إيراث الخشوع والإخبات والخضوع إن طلبتم الكبر لأنفسكم أوجدتموه على رسلي واياتي {وكنتم قومًا} أي: ذوي قيام وقدرة على ما تحاولونه {مجرمين} أي: غريقين في قطع ما يستحق الوصل وذلك هو الخسران المبين.
{وإذا} أي: وكنتم إذا {قيل} أي: من أي قائل كان ولوعلى سبيل التأكيد {إن وعد الله} أي: الذي كل أحد يعلم أنه محيط بصفات الكمال {حق} أي: ثابت لا محيد عنه مطابق للواقع من البعث وغيره لأن أقل الملوك لا يرضى بأن يخلف وعده فكيف به سبحانه وتعالى فكيف إذا كان الإخلاف فيه متناقضًا للحكم وقرأ {والساعة} حمزة بالنصب عطفًا على وعد الله. والباقون برفعها وفيه ثلاثة أوجه؛ أحدها: الابتداء وما بعدها من الجملة المنفية وهو قوله تعالى: {لا ريب} أي: لا شك {فيها} خبرها. ثانيها: العطف على محل اسم إن لأنه قبل دخو لها مرفوع بالابتداء. ثالثها: أنه عطف على محل إن واسمها معًا لأن بعضهم كالفارسي والزمخشري يرون أن لأن واسمها موضعًا وهو الرفع بالابتداء {قلتم} أي: راضين لأنفسكم بحضيض الجهل {ما ندري} أي: الأن دراية علم ولوبذلنا جهدنا في محاو لة الوصو ل إليه {ما الساعة} أي: لا نعرف حقيقتها فضلًا عما تخبروننا به من أحوالها.
تنبيه:
الساعة هنا مرفوعة باتفاق {إن} أي: ما {نظن} أي: نعتقد ما تخبروننا به عنها {إلا ظنًا} وأما وصو له إلى درجة العمل فلا {وما نحن} وأكدوا النفي فقالوا {بمستيقنين} أي: بموجود عندنا اليقين في أمرها. قال الرازي: القوم كانوا في هذه المسألة على قولين: منهم من كان قاطعًا بنفي البعث والقيامة وهم المذكورون في قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا} ومنهم من كان شاكًا متحيرًا فيه لأنهم لكثرة ما سمعوه من الرسل عليهم السلام ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحته صاروا شاكين فيه وهم المذكورون في هذه الآية. ويدل على ذلك أنه حكى تعالى مذهب أولئك القاطعين ثم أتبعه بحكاية قول هؤلاء فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول.
ولما وصلوا إلى حد عظيم من العناد التفت إلى أسلوب الغيبة إعراضًا عنهم إيذانًا بشدة الغضب عليهم فقال تعالى: {وبدا} أي: ولم يزالوا يقولون ذلك إلى أن بدت لهم الساعة بما فيها من الأوجال والزلازل والأهوال وظهر {لهم} غاية الظهور {سيئات ما عملوا} في الدنيا فتمثلت لهم وعرفوا مقدار جزائها واطلعوا على جميع ما يلزم على ذلك {وحاق} أي: أحاط {بهم} على حال القهر والغلبة قال أبو حيان: ولا يستعمل إلا في المكروه {ما كانوا} جبلة وطبعًا {به يستهزئون} أي: يوجدون الهزء به على غاية الشهوة واللذة إيجاد من هو طالب لذلك. وهذا كالدليل على أن هذه الفرقة لما قالوا إن نظن إلا ظنًا إنما ذكروه استهزاء وسخرية فصار هذا الفريق أشر من الفريق الأول. لأن الأولين كانوا منكرين وما كانوا مستهزئين وهؤلاء ضموا إلى الإصرار على الأنكار الاستهزاء. وقرأ حمزة في الوقف بتسهيل الهمزة بعد الزاي كالواو وله أيضًا إبدالها ياء ونقل عنه أيضًا غير ذلك.